تل أبو الحسن... ذاكرة التاريخ في بلدة تحتفظ بالأصالة
تظل بلدة أبو الحسن شاهداً حيّاً على عراقة الأرض وأصالة الإنسان، من التل الذي يحتفظ برفات الشهداء إلى المضافات التي تفتح أبوابها للضيف، ومن عادات الزفاف التي لا تزال تُحيى حتى اليوم، إلى بيوت الطين وذكريات اللجوء والعودة.
زينب خليف
دير الزور ـ على ضفاف نهر الفرات، تقع بلدة "أبو الحسن" كأنها قطعة محفوظة من الزمن، لا تزال تنبض بتاريخ طويل من الحضارة، وتختزن في ذاكرتها ما عجزت السنين عن طمسه، وتُعد هذه البلدة من أهم البلدات في مقاطعة دير الزور، بإقليم شمال وشرق سوريا بما تمتلكه من مقومات استراتيجية وثقافية وزراعية، جعلت منها ملتقى للطرق التجارية ومركزاً لحضارات متعاقبة.
من بين أبرز معالم بلدة أبو الحسن يبرز تل أبو الحسن الأثري، لا ككتلة ترابية فحسب، بل كوثيقة تاريخية قائمة، تسرد فصولاً من البطولة، والانتماء، والحياة الاجتماعية الغنية، التي رسّخت جذورها العميقة في الأرض والوجدان. تل أبو الحسن ليس مجرد تلة؛ إنه حكاية الأجداد الذين عاشوا وقاتلوا، هو رمز تعتز به سوريا، وذاكرة لا يسمح لها أن تُنسى.
"نقطة التقاء للطرق التجارية والثقافية"
هذه البلدة وأهميتها وتراثها الذي لا يزال موجود تحدثت عنه ماجدة الحزوم، وهي من أهالي البلدة التي قالت أنها تُعد من البلدات المهمة في مقاطعة دير الزور، لما تمتاز به من تاريخ عريق وثقافة غنية، إلى جانب موقعها الاستراتيجي على ضفاف نهر الفرات، ما جعلها عبر العصور نقطة التقاء للطرق التجارية والثقافية، فضلاً عن أهميتها الزراعية وحرصها على الحفاظ على التراث والعادات الأصيلة التي تُميّزها عن سواها من البلدات.
وقالت "بلدة أبو الحسن تشتهر منذ قديم الزمان بالمضافات والكرم. نعود إلى قبيلة (عبيد)، حيث كانوا يسكنون الرمادي وأبو الحسن في خيم وبيوت من الشعر ويرتحلون من أجل الماء ورعي الأغنام، ثم بدأوا ببناء بيوت الطين، وهي ما تزال قائمة إلى الآن".
وأشارت إلى المكانة التاريخية لتل أبو الحسن "التل معروف منذ عهد الصحابة. جدّنا، الذي سُميت البلدة باسمه، قُتل خلال مقاومة الفرنسيين ودفن هنا. كما أن البلدة مشهورة بزراعة الهيل، الفواكه، الزيتون، التفاح، البرتقال، والمشمش، وتطل على مناظر طبيعية خلابة من جهة نهر الفرات".
كما أوضحت ماجدة الحزوم أن الأهالي في البلدة مضيافون بطبيعتهم، يحبون الضيف ويكرمونه، وعلاقتنا بالمناطق المجاورة، مثل الرمادي، علاقة تاريخية وثيقة، وكان العبور يتم عبر العبارات، ثم الطراريد، وخاصة إلى مناطق مثل بقعان الشامية وبقعان الجزرة، التي كانت واحدة قبل أن يفصلها النهر".
وعن الاحتفالات والعادات، قالت "الاحتفال بالزواج يدوم ثلاثة أيام، تتخلله طقوس تحضير الولائم والدبكة والمزمار، من المغرب حتى الفجر. النساء يرتدين أزياء تقليدية وتضعن حلقات من حب الشعير وعصبة على رؤوسهن ويقمن بالخبز على التنور في الأعياد، كما تتميز العائلات بالكرم والولائم التي يشارك بها جميع الأقارب".
"الكرم جزء لا يتجزأ من هويتنا"
وأكّدت أن حسن الضيافة كان ولا يزال جزءاً من الهوية "كانت أبو الحسن محطة رئيسية للضيوف والتجار القادمين من العراق وسوريا، وكان التنافس قائماً بين الأهالي على استقبالهم وإكرامهم، فالضيف لا يُترك جائعاً. هذه عاداتنا التي لا نقبل أن تختفي".
كما تحدثت عن فترة اللجوء وكيف واجهت البلدة التحديات "أنشأت ثلاث مضافات لاستقبال الناس، وافتخرت بذلك. وبعد عودتنا، تم بناء كل شيء من جديد. حتى عند بدء العمل بالجسر، جاء أكثر من خمسين رجلاً إلى البلدة، ولم يكن هناك من يستقبلهم، فاستقبلناهم وقدمنا لهم ما استطعنا. الكرم جزء لا يتجزأ من هويتنا".
واختمت ماجدة الحزوم حديثها بالقول أن "المرأة هنا تتحمل مسؤولية الضيافة، كما كانت دائماً. نعتز بتراثنا، وسنستمر بنقله إلى أبنائنا، ولا نُفرط به".
إن بلدة أبو الحسن، بما فيها من تراث وتاريخ وإنسان، ليست فقط مزاراً أثرياً، بل تجربة حقيقية في الحفاظ على الهوية، وإحياء الكرم، وتمرير القيم جيلاً بعد جيل. ومن هنا، فإن مسؤولية الأجيال القادمة لا تقتصر على التوثيق، بل على الإحياء المستمر لذاكرة لا تزال تنبض بالحياة.